سورة القصص - تفسير تفسير أبي السعود

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (القصص)


        


{وَلَوْلا أَن تُصِيبَهُم مُّصِيبَةٌ} أي عقوبةٌ {بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ} أي بما اقترفُوا من الكفرِ والمعَاصي {فَيَقُولُواْ} عطفٌ على تُصيبَهم داخلٌ في حيِّزِ لولا الامتناعيَّةِ على أنَّ مدارَ انتفاءِ ما يُجاب به هو امتناعُه لا امتناعُ المعطُوفِ عليه وإنما ذكرَه في حيِّزِها للإيذانِ بأنَّه السببُ الملجىءُ لهم إلى قولِهم: {رَبَّنَا لَوْلا أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولاً} أي هلاَّ أرسلتَ إلينا رسولاً مؤيداً مِن عندك بالآياتِ {فَنَتَّبِعَ ءاياتك} الظَّاهرةَ على يدِه وهو جوابُ لولا الثَّانيةِ {وَنَكُونَ مِنَ المؤمنين} بهَا وجوابُ لولا الأُولى محذوفٌ ثقةً بدلالةِ الحالِ عليهِ والمَعْنى لولا قولُهم هذا عندَ إصابةِ عقوبةِ جناياتِهم التي قدَّمُوها ما أرسلناكَ لكن لمَّا كانَ قولُهم ذلكَ محقَّقاً لا محيدَ عنه أرسلناك قطعاً لمعاذيرِهم بالكُلِّيةِ {فَلَمَّا جَاءهُمُ} أي أهلَ مكَّةَ {الحق مِنْ عِندِنَا} وهو القرآنُ المنزلُ عليهِ عليهِ الصَّلاة والسَّلام {قَالُواْ} تعنُّتاً واقتراحاً {لَوْلا أُوتِىَ} يعنونَه عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ {مِثْلَ مَا أُوتِىَ موسى} من الكتابِ المنزَّلِ جملةً وأمَّا اليدُ والعَصَا فلا تعلُّق لهما بالمقامِ كسائرِ معجزاتِه عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ. قولُه تعالى: {أَوَلَمْ يَكْفُرُواْ بِمَا أُوتِىَ موسى مِن قَبْلُ} ردٌّ عليهم وإظهارٌ لكونِ ما قالُوه تعنُّتاً محضاً لا طلباً لما يُرشدهم إلى الحقِّ أي ألم يكفُروا من قبلِ هذا القولِ بما أُوتيَ موسى من الكتابِ كما كفرُوا بهذا الحقِّ. وقولُه تعالى: {قَالُواْ} استئنافٌ مَسُوقٌ لتقريرِ كُفرِهم المستفادِ من الإنكارِ السَّابقِ وبيانِ كيفيَّتِه. وقولُه تعالى: {سِحْرَانِ} خبرٌ لمبتدأ محذوفٍ أي هُما يعنونَ ما أُوتي محمدٌ وما أُوتي مُوسى عليهما السَّلام سحرانِ {تَظَاهَرَا} أي تعاوَنا بتصديقِ كلِّ واحدٍ منهُما الآخرَ وذلك أنَّهم بَعثوا رهطاً منهم إلى رؤساءِ اليَّهودِ في عيدٍ لهم فسألُوهم عن شأنِه عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ فقالُوا: إنَّا نجدُه في التَّوارةِ بنعتِه وصفتِه فلمَّا رجعَ الرَّهطُ وأخبرُوهم بما قالتِ اليَّهودُ قالُوا ذلكَ. وقولُه تعالى: {وَقَالُواْ إِنَّا بِكُلّ} أي بكلِّ واحدٍ من الكتابينِ {كافرون} تصريحٌ بكفرِهم بهما وتأكيدٌ لكفرِهم المفهومِ من تسميتهما سحراً وذلك لغايةِ عُتوهم وتمادِيهم في الكفرِ والطُّغيانِ. وقرئ: {ساحرانِ تظاهَرا} يعنون مُوسى ومحمَّداً صلَّى الله عليهما وسلم. هذا هُو الذي تستدعيهِ جَزالةُ النَّظمِ الجليلِ فتأمَّلْ ودَعْ عنكَ ما قيلَ وقيلَ. ألا ترى إلى قولِه تعالى: {قُلْ فَأْتُواْ بكتاب مّنْ عِندِ الله هُوَ أهدى مِنْهُمَا} ممَّا أُوتياه من التَّوراةِ والقُرآنِ وسمَّيتُموهما سحرينِ فإنَّه نصٌّ فيما ذُكر. وقوله تعالى: {أَتَّبِعْهُ} جوابٌ للأمرِ أي إنْ تأتُوا به أتَّبعْهُ ومثلُ هذا الشَّرطِ ممَّا يأتِي من يدلُّ بوضوحِ حُجَّتِه وسُنوحِ محجَّتِه لأنَّ الإتيانَ بما هو أهدى من الكتابينِ أمرٌ بيِّنُ الاستحالةِ فيوسع دائرةَ الكلامِ للتَّبكيتِ والإفحامِ {إِن كُنتُمْ صادقين} أي في أنَّهما سحرانِ مختلقانِ، وفي إيراد كلمةِ إنْ مع امتناعِ صدقِهم نوعُ تهكُّمٍ بهم.


{فَإِن لَّمْ يَسْتَجِيبُواْ لَكَ} أي فإنْ لم يفعلُوا ما كلَّفتهم من الإتيانِ بكتابٍ أهدى منهما كقولِه تعالى: {فَإِن لَّمْ تَفْعَلُواْ} وإنَّما عبَّر عنه بالاستجابةِ إيذاناً بأنَّه عليه الصَّلاة والسَّلام على كمالِ أمنٍ من أمرِه كأنَّ أمرَه عليه الصَّلاة والسَّلام لهم بالإتيانِ بما ذُكر دعاءٌ لهم إلى أمرٍ يريدُ وقوعَه. والاستجابةُ تتعدَّى إلى الدُّعاءِ بنفسِه وإلى الدَّاعِي باللامِ فيحذف الدُّعاء عندَ ذلكَ غالباً، ولا يكادُ يقال: استجابَ الله له دعاءَه {فاعلم أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءهُمْ} الزَّائغةَ من غيرِ أنْ يكونَ لهم متمسَّكٌ ما أصلاً إذ لو كان لهم ذلكَ لأَتَوا به {وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ اتبع هَوَاهُ} استفهامٌ إنكاريٌّ للنَّفيِ أيْ لا أضلَّ ممَّن اتَّبع هواهُ {بِغَيْرِ هُدًى مّنَ الله} أي هو أضلُّ من كلِّ ضالَ وإنْ كانَ ظاهرُ السَّبكِ لنفيِ الأصلِ لا لنفيِ المُساوي كما هُو في نظائرِه مراراً. وتقييدُ اتِّباعِ الهَوَى بعدمِ الهُدى من الله تعالى لزيادةِ التَّقريعِ والإشباعِ في التَّشنيعِ والتَّضليلِ وإلا فمقارنتُه لهدايتِه تعالى بينةُ الاستحالةِ {إِنَّ الله لاَ يَهْدِى القوم الظالمين} الذين ظلمُوا أنفسَهم بالانهماكِ في اتباعِ الهَوَى والإعراضِ عن الآياتِ الهاديةِ إلى الحقِّ المُبينِ.
{وَلَقَدْ وَصَّلْنَا لَهُمُ القول} وقرئ بالتَّخفيف أي أنزلنا القرآنَ عليهم متواصلاً بعضَه إثرَ بعضٍ حسبما تقتضيه الحكمةُ والمصلحةُ أو متتابعاً وعداً ووعيداً قصصاً وعبراً ومواعظَ ونصائحَ {لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ} فيؤمنون بما فيه {الذين ءاتيناهم الكتاب مِن قَبْلِهِ} أي من قبلِ إيتاءِ القُرآنِ {هُم بِهِ يُؤْمِنُونَ} وهم مُؤمنو أهلِ الكتابِ وقيل: أربعون من أهلِ الإنجيلِ اثنانِ وثلاثون جاءوا مع جعفرٍ من الحبشةِ وثمانيةٌ من الشامِ {وَإِذَا يتلى} أي القرآنُ {عَلَيْهِمْ قَالُواْ ءامَنَّا بِهِ إِنَّهُ الحق مِن رَّبّنَا} أي الحقُّ الذي كنَّا نعرفُ حقِّيتِه وهو استنئافٌ لبيانِ ما أوجب إيمانَهم. وقوله تعالى: {إنَّا كُنَّا مِن قَبْلِهِ} أي مِن قبلِ نزولِه {مُسْلِمِينَ} بيانٌ لكونِ إيمانِهم به أمراً متقادمَ العهدِ لما شاهدوا ذكرَه في الكتبِ المتقدمةِ وأنَّهم على دينِ الإسلام قبل نزولِ القرآنِ {أولئك} الموصوفون بما ذُكر من المنعوتِ {يُؤْتُونَ أَجْرَهُم مَّرَّتَيْنِ} مرةً على إيمانِهم بكتابِهم ومرةً على إيمانِهم بالقرآنِ {بِمَا صَبَرُواْ} بصبرِهم وثباتِهم على الإيمانينِ أو على الإيمان بالقرآنِ قبل النزول وبعده أو على أذى من هاجرَهم من أهلِ دينِهم ومن المشركين {وَيَدْرَءونَ بالحسنة السيئة} أي يدفعونَ بالطَّاعةِ المعصيةَ لقولِه عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ: «وأتبعِ السيئةَ الحسنةَ تمحُها» {وَمِمَّا رزقناهم يُنفِقُونَ} في سبيلِ الخيرِ.


{وَإِذَا سَمِعُواْ اللغو} من اللاغينَ {أَعْرَضُواْ عَنْهُ} عن اللَّغو تكرماً كقولِه تعالى: {وَإِذَا مَرُّواْ بِاللَّغْوِ مَرُّواْ كِراماً} {وَقَالُواْ} لهم {لَنَا أعمالنا وَلَكُمْ أعمالكم سلام عَلَيْكُمْ} بطريقِ المُتاركةِ والتَّوديعِ {لاَ نَبْتَغِى الجاهلين} لا نطلبُ صحبتَهم ولا نريدُ مخالطتَهم.
{إِنَّكَ لاَ تَهْدِى} هدايةً موصِّلةً إلى البُغيةِ لا محالةَ {مَنْ أَحْبَبْتَ} من النَّاسِ ولا تقدرُ على أنْ تدخلَه في الإسلامِ وإنْ بذلت فيه غايةَ المجهودِ وجاوزتَ في السعيِ كلَّ حدَ معهودٍ {ولكن الله يَهْدِى مَن يَشَاء} أنْ يهديَه فيدخلَه في الإسلامِ {وَهُوَ أَعْلَمُ بالمهتدين} بالمستعدِّينَ لذلك، والجمهورُ على أنَّها نزلتْ في أبي طالبٍ فإنَّه لما احتُضر جاءه رسولُ الله صلى الله عليه وسلم وقالَ له: «يا عمِّ قُل لا إله إلا الله كلمةً أحاجُّ بها لك عندَ الله» قال له: يا ابنَ أخِي قد علمتُ إنَّك لصادقٌ ولكنِّي أكرَه أنْ يقال خرعَ عند الموتِ ولولا أنْ يكونَ عليك وعلى بني أبيكَ غضاضةٌ بعدي لقُلتها ولأقررتُ بها عينَك عندَ الفراقِ لما أَرَى من شدَّة وَجْدِك ونصيحتِك ولكنِّي سوفَ أموتُ على ملَّةِ الأشياخِ عبدِ المطَّلبِ وهاشمٍ وعبدِ منافٍ {وَقَالُواْ إِن نَّتَّبِعِ الهدى مَعَكَ نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنَا} نزلتْ في الحارث بنِ عثمانَ بنِ نوفلِ بنِ عبدِ منافٍ حيثُ أتَى النبيَّ عليه الصَّلاة والسَّلام فقال: نحنُ نعلم أنَّك على الحقِّ ولكنَّا نخافُ إنِ اتَّبعناك وخالفنَا العربَ وإنما نحنُ أكلةُ رأسٍ أنْ يتخطَّفونا من أرضِنا فردَّ عليهم بقولِه تعالى: {أو لم نمكن لهم حرما آمناً} أي ألم نعصمْهم ولم نجعلْ مكانَهم حرماً ذا أمنٍ لحرمةِ البيتِ الحرامِ الذي تتناحرُ العربُ حولَه وهم آمنونَ {يجبى إِلَيْهِ} وقرئ: {تُجبى} أي يُجمع ويُحمل إليه {ثَمَرَاتُ كُلّ شَىْء} من كلِّ أوبٍ. والجملةُ صفةٌ أخرى لحَرماً دافعةٌ لمَا عَسَى يُتوهَّم من تضررِهم بانقطاعِ الميرةِ {رّزْقاً مّن لَّدُنَّا} فإذا كان حالُهم ما ذُكر وهم عبدةُ أصنامٍ فكيف يخافونَ التخطفَ إذا ضمُّوا إلى حُرمةِ البيتِ حُرمةَ التَّوحيدِ {ولكن أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ} أي جهلةٌ لا يتفطَّنون له ولا يتفكَّرون ليعلمُوا ذلك وقيل: هو متعلقٌ بقولِه تعالى: {مّن لَّدُنَّا} أي قليلٌ منهم يتدبَّرون فيعلمونَ أنَّ ذلك رزقٌ من عندِ الله تعالى إذ لو علمُوا لما خافُوا غيرَه، وانتصابُ رزقاً على أنَّه مصدرٌ مؤكدٌ لمعنى تُجبى أو حالٌ من ثمراتُ على أنَّه بمعنى مرزوقٍ لتخصصها بالإضافةِ ثم بيَّن أنَّ الأمرَ بالعكسِ وأنَّهم أحقَّاءُ بأنْ يخافوا بأسَ الله تعالى بقوله:

2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9